داخل منزل ماري فيسيلكا في بيرلاند، بولاية تكساس، ستجد كل المشتبه فيهم التكنولوجيين المعتادين.

فهناك هاتفها الـ«آيفون»، وحاسوب الـ«آيباد» اللوحي الذي تستخدمه ابنتها الصغيرة في المدرسة، والصناديق الأحدث من «أمازون». كما تمتلك ربة البيت هذه حساباً مفعلاً في «فيسبوك» وحساباً آخر في «تيك توك»، وفي غرفة المعيشة يوجد مكبر الصوت «إيكو»، حيث مساعد «أليكسا» الصوتي مستعد دائماً لإضافة عناصر إلى قائمة التسوق الخاصة بها أو إطفاء الأضواء.

وعلى غرار أميركيين كثيرين، تعجّ حياة فيسيلكا بالمنتجات والخدمات التي تقدّمها شركات التكنولوجيا الكبرى، مجانية كانت أو مدفوعة الثمن. وعلى غرار أميركيين كثيرين، فإنها لا تثق في الشركات أو الأشخاص الذين يديرونها في ما يتعلق بقضايا الخصوصية، ولكنها في الوقت نفسه لا تستطيع الاستغناء عنها.

فهي لا تعجبها الطريقة التي يجمع بها «فيسبوك» بيانات المستخدِمين الشخصية من أجل الإعلانات المستهدفة، أو أنواع الفيديو التي يقترحها «يوتيوب» على طفلها، وتشتبه في أن أجهزتها التكنولوجية تسترق السمع دائماً. وتقول فيسيلكا، البالغة من العمر 30 عاماً، عن تكنولوجيتها: «إننا نستخدمها ونحن نعلم أنه لا يمكننا حقاً الوثوق فيها، ولكنني أعتقد أننا لا نستطيع تجنب استخدامها»، مضيفة: «لقد حاولتُ التخلي عن فيسبوك لفترة زمنية... ولكنه شيء لا تستطيع حقاً فعله والحفاظ مع ذلك على حياة اجتماعية عادية».

إنه الشيء النادر الذي يبدو أن الأميركيين من كل الأعمار وعبر مختلف ألوان الطيف السياسي الأميركي متفقون عليه إلى حد كبير: ذلك أنهم لا يأتمنون خدمات وسائل التواصل الاجتماعي على معلوماتهم ويعتبرون الإعلانات المستهدفة مزعجة ومنتهكة للخصوصية، وفق استطلاع للرأي أجرته «واشنطن بوست» و«كلية شار». وإذا كان الكثير من الأميركيين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي – ومعظمهم يستخدم «فيسبوك» – فإن 64 في المئة يرون أن الحكومة ينبغي أن تبذل جهداً أكبر بخصوص كبح شركات التكنولوجيا الكبرى.

فالناس باتوا تحت سطوة المنصات والأجهزة التي تؤثّر بشكل متزايد على الطريقة التي نتواصل ونتبضع ونخزّن بها معلوماتنا وبالتالي تدبير الأجزاء المهمة من حياتنا. ومع قرابة 3 مليارات مستخدم شهري حول العالم، قد يبدو أنه لا مفر من «فيسبوك» بشكل خاص. غير أن معظم الأميركيين يقولون إنهم يشكون في أن عدداً من عمالقة الإنترنت يتعاملون بمسؤولية مع معلوماتهم الشخصية وبياناتهم المتعلقة بنشاطهم على الإنترنت. كما تقول أغلبية كبيرة منهم إنهم يعتقدون أن شركات التكنولوجيا لا تمنح الناس سيطرة كاملة على الكيفية التي يتم بها تعقب أنشطتهم واستخدامها.

الاستطلاع أُجري في شهر نوفمبر بين عيّنة عشوائية تضم 1122 بالغاً على الصعيد الوطني. ووفق الاستطلاع نفسه، فإن 72% من مستخدمي الإنترنت لا يثقون في فيسبوك «كثيراً» أو «بتاتاً» ليتعامل بمسؤولية مع معلوماتهم الشخصية وبياناتهم المتعلقة بنشاطهم على الإنترنت. وحوالي 6 من كل 10 لا يثقون في «تيك توك» و«إنستغرام»، بينما لا تثق أغلبيات صغيرة في «واتساب» و«يوتيوب». أما «جوجل» و«آبل» و«مايكروسوفت»، فقد تلقت درجات مختلطة بخصوص الثقة، بينما يبدو أن «أمازون» إيجابياً قليلاً؛ إذ يثق فيه 53% «بشكل معتبر» على الأقل. وفضلاً عن ذلك، يقول 10% فقط إن لدى «فيسبوك» تأثيراً إيجابياً على المجتمع، بينما يقول 56% إن لديه تأثيراً سلبياً، ويقول 33% إن تأثيره ليس إيجابياً ولا سلبياً. ورغم كلمة «شركات التكنولوجيا الكبرى» اللافتة، إلا أنه لا يُنظر إلى كل شركات التكنولوجيا الأكبر بالطريقة السلبية نفسها. فالشركات التي تبيع السلع والخدمات للناس بشكل مباشر مثل «آبل» و«أمازون» يُنظر إليها بطريقة أكثر إيجابية، وذلك لأن هناك قدراً أقل من الغموض بخصوص الطريقة التي تجني بها المال من الزبائن، كما أنه لا يوجد حاجز كبير بين الشركتين والأفراد الذين يدفعون لها المال. وبالمقابل، فإن شركات التواصل الاجتماعي، حيث تقدّم الخدمات بالمجان ظاهرياً، هي التي تزعج الأميركيين أكثر

. وبعد سنوات من تحذير خبراء الخصوصية من أنه «إذا كان الأمر بالمجان، فاعلم أنك أنت المنتَج»، فربما بدأت حقيقة ما يعنيه ذلك حقاً تُستوعب بشكل كامل. فشركات التكنولوجيا لديها منتجات مجانية مثل تطبيقات التواصل الاجتماعي، ومحركات البحث، والبريد الإلكتروني.

وبالمقابل، فإنها تجمع البيانات وتغذّي صناعة التسويق والإعلانات على الإنترنت مع جني أرباح من ذلك. أكبر هدف لجمع البيانات، هو خدمة إعلانات مستهدفة بشكل دقيق. وهناك شركتان مهيمنتان في هذا المجال. فقد حققت «غوغل» عائدات بقيمة 147 مليار دولار من الإعلانات في 2020، أو 80% من مجموعها، بينما حققت «فيسبوك» 84 مليار دولار من العائدات من الإعلانات، أو 98% من مجموعها. ويقول 8 من أصل 10 مستخدمي إنترنت إن شركات التكنولوجيا لا توفّر سيطرة كاملة على الطريقة التي يتم بها تعقب أنشطتهم واستخدامها، بما في ذلك أغلبيات عبر السن والعرق والتعليم والأحزاب. غير أن الإعلانات المستهدفة – وهي الهدف الحقيقي من كل عملية جمع البيانات – مكروهة على نطاق واسع. ذلك أن أكثر من 8 من أصل 10 مستخدمين للإنترنت يقولون إنهم يرون الإعلانات المستهدفة مرات كثيرة نوعاً ما. ومن أولئك الذين يرونها، يقول 82% إنها مزعجة، بينما يقول 74% إنها تطفلية. وإذا كان الشركات تدافع عن الإعلانات المستهدفة أحياناً على اعتبار أنها تساعد الناس على إيجاد منتجات يريدونها، فإن 66% من مستخدمي الإنترنت الذين يرونها على الإنترنت يقولون إنها غير مفيدة. الانتقادات لمقايضة البيانات بالاستخدام ازدادت منذ 2012، عندما وجد استطلاع للرأي أجراه مركز بيو للأبحاث أن 59% يقولون إنها تمثّل «استخداماً غير مبرر لمعلومات الناس الخاصة». واليوم، بات 73% من الأميركيين يتبنون هذا الرأي، بما في ذلك أغلبيات من الأميركيين عبر المجموعات السياسية والديمغرافية، وفق استطلاع «واشنطن بوست» و«كلية شار». ويقول كِن دورش، وهو متقاعد يبلغ 76 عاماً في تلسا بولاية أوكلاهوما: «إنهم يعتقدون أن المبادرة الحرة تعني «إنني أستطيع أن أفعل ما أريد، في أي وقت أريد»، مضيفاً: «إننا نريد جني المال أكثر مما نريد أن نكون مسؤولين عما نفعل!».

هيذر كيلي* وإيميلي غسكن**

*صحفية مقيمة في سان فرانسيسكو مهتمة بمواضيع التكنولوجيا

**محللة استطلاعات الرأي بصحيفة «واشنطن بوست».

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»